نسمع القول السائر المشهور "الموضوع فيه إنَّ " !!
يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أن لـذلك القول السائر والذي يعده بعض الأدباء من الأمثال السائرة قصة ظريفة
مفادها أنه كان في مدينة حلب أمير ذكي جمع الخصال من الأدب والفطنة والشجاعة والتفاف الناس حوله و أسمه (علي بن منقذ)، وكان والي حلب في ذلك الوقت (محمود بن مرداس) والذي خشي على ولايته من أبن منقذ ، وذات يوم أخبره رجل أن الوالي يدبر أغتياله ليصفو الجو له فهرب بن منقذ من حلب متيمما دمشق حيث أهله وعشيرته فحاول الوالي أن يعيد بن منقذ لحلب مرة أخرى مؤكدا له أن كل ما قيل هو من باب الوشاية الكاذبة
وذات يوم طلب الوالي من كاتبه أن يكتب رساله لأبن منقذ يستدرجه بها للعودة إلى حلب وكان بين الكاتب الحاذق والأمير أبن منقذ معروف قديم وكان الكاتب يعلم علم اليقين أن أبن مرداس يريد الغدر بالأمير الهارب فكتب له رسالة ظاهرها الكلام الطيب، ولكنه كتب في نهايتها :" إنَّ شاء اللهُ تعالى "، كتبها بتشديد النون ! لما قرأها الأمير الأديب وقف متعجبا عند ذلك الخطأ في نهايتها، فهو يعرف حذاقة الكاتب ومهارته، لكنه أدرك فورا أن صديقه الكاتب يحذره من شئ ما حينما شدد تلك النون! وكأنه يحيله إلى قوله تعالى :" إنَّ الملأَ يأتمرون بك ليقتلوك "
لقد فطن الأمير الذكي للأمر وكتب برسالة وبعثها للوالي يشكر له أفضاله ويطمئنه على ثقته الشديدة به، وختمها بعبارة :
" إنَّا الخادمُ المُقِرُّ بالإنعام". بتشديد النون !
فلما قرأها الكاتب فطن إلى أن الأمير يبلغه أنه قد تنبه إلى تحذيره المبطن، وكأنه يحيله إلى قوله تعالى :" إنَّا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها" واطمأن إلى أن الأمير ابن منقذ لن يعود إلى حلب ما دام ذلك الوالي الغادر فيها.
ومنذ تلك الحادثة، صارت الأجيال ، جيل بعد جيل يقولون للموضوع إذا كان فيه شك أو غموض أو حتى خديعة :
"الموضوع فيه إنَّ"
هذه القصة الطريفة أوردها العلامة أبن الأثير رحمه الله في كتابه "المثل السائرفي أدب الكاتب والشاعر"
(فرهاد) و (خسرو) و (شيرين) أسماء لثلاث شخصيات معروفة في تاريخ بلاد فارس وآدابها.
كان (فرهاد) نحاتا ونقاشا ماهرا وذات يوم دعي ليقوم ببعض الأعمال في قصر الأميرة (شيرين) وأثناء عمله وقعت عيناه على الأميرة فأحبها على الفور وتمكنت من قلبه وتعلق بها وأخذ بكل طريقة ليتردد على بيت المحبوبة فعلم الأمير الساساني (خسرو) والذي كان قد رغب بالأقتران بـ(شيرين) ولكي يصرفه ويبعده عنها طلب الأمير (خسرو) من فرهاد أن يذهب إلى جبل (بيستون) في ناحية (كرمانشاه) البعيدة وأن ينحت على صفحته صورا للأمير وأن ينقش شيئا من سيرة ملوك ساسان ووعده أن أتم هذا العمل الشاق أن يزوجه بشيرين ففرح (فرهاد) فرحا شديدا بهذا الوعد العظيم وفور وصوله للجبل قام (فرهاد) بقطع واجهة جبل (بيستون) ومع كل ضربة من فأسه كان (فرهاد) يردد أسم (شيرين) كان بعد ان هيأ صفحة الجبل وقبل أن يشرع في التصوير والنقش أتاه رسول على عجل ليقول له : (فرهاد) يا من أمضيت شهورا دون كلل ولا ملل وأنت تقطع وتنحت وتهيء صفحة الجبل ، يؤسفني أن أخبرك أن الأميرة (شيرين) قضت نحبها قبل أيام بسبب مرض خاطف ألّم بها.
توقف (فرهاد) عن العمل وصعد جبل (بيستون) ثم القى بنفسه ليلقى حتفه على الفور.
تبين فيما بعد أن خبر وفاة (شيرين) ما هو الا خبر كاذب أطلقه الأمير (خسرو) ليتخلص من (فرهاد).
وأنتهى الأمر بزواج الأمير (خسرو) بشيرين
المتصوف الكبير جلال الدين البلخي الرومي أتى على ذكر وفاء (فرهاد) في الحب حيث قال :
ای دل تو که زیبایی شیرین شو از آن خسرو
ور خسرو شیرینی در عشق چو فرهادآ
(يا قلب شيرين الجميلة ،
كن مُلكا لخسرو
كن لخسرو شيرين ،
وأقبل على العشق كما فعل فرهاد)
والبيت ورد في قصيدة بديعة مطلعها يقول :
شاد آمدی ای مه رو ، ای شادی جان شادآ
تا بود چنین بودی ، تا باد چنان بادآ
(أتيت سعيدا يا وجه القمر ،
يا سعادة الروح أقبل
أما وقد كان ما كان ،
فليكن ما يكون)
أما الشاعر الفارسي الكبير (نظامی گنجوی) (1141-1209 ميلادي) فقد وضع قصة (شيرين) و(فرهاد) في قصة شعرية بلغ عدد أبياتها 6000 بيتا ضمن كتابه (پنج غنج) (الكنوز الخمس) بدأها بقوله :
چنین گفت آن سخن گوی کهن زاد
که بودش داستانهای کهن یاد
(قولا قديما قد سمعته فنظمته ،
لقصة رائعة لتكون ذكرى للأجيال)
يقول
الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أن أسم (فرهاد) أرتبط في
الأدب الفارسي القديم والحديث بمعان العزيمة والوفاء كما أن جبل (بيستون)
أصبح من ذلك اليوم مزارا للعشاق والأحباء حيث دفن (فرهاد) في كوّة في المكان الذي القى بنفسه منه
ويعتقد العطيات أن القصة حقيقية وليست من ضرب الخيال.
فوائد لغوية من اللغة الفارسية:
* خسرو : أسم فارسي قديم لا يزال قيد الأستعمال ومعناه "طيب الذكِر" وفي العربية يكتب ويلفظ على نحو (كسرى) وخسرو المذكور في هذه هو كسرى الثاني 590-628 ميلادي
* فرهاد : أسم فارسي ومعناه "المسنّ" (أي الحجر الذي يسّن به)
* شيرين : من الأسماء الفارسية الشائعة ومعناه "الحلوة"
يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أن للـ(قورال) عند اليهود تاريخ حافل ومهم وبه حسمت أمورا كثيرة بينهم.
و (القورال) اليهودي هو عبارة عن حجر أو عظم يابس يرسم على أحدى جانبيه علامة
ثم يقومون بإلقائها لحسم أمر ما طبقا للحالة التي تسقط عليها العظمة
الملقاة أو الحجر الملقى.

و يعتقد العطيات أن (القورال) أنما أخذه اليهود من العراق أثناء السبي حيث أن
(القورال) كان معروفا عند أهل نينوى (بلدة معروفة في العراق) فحينما أوشك المركب
التي كان يركب فيها (يونان) على الغرق تم أجراء
(القورال) لمعرفة شخصية المنحوس الذي أثار غضب (آله البحر) فوقعت عليه القورال فقذف به
للبحر فألتقمه الحوت.
كذلك أستعمل اليهود (القورال) ليقتسموا الأرض على ضفتي نهر الأردن بين أسباط بني إسرائيل الأثنا عشر.
وبحسب الشريعة اليهودية (الهالاخاه) لا يجوز أستعمال القورال في المنازعات
القضائية للحكم بين المتخاصمين ولا يجوز أستعماله ايضا كدليل قضائي.
يقول العطيات أن (القورال) اليوم يكاد يكون محصورا فقط في الرياضة حينما
يرمي حكم الملعب بعملة معدنية يتم على أثرها أختيار جهة المعلب التي ستكون
لأحد الفريقين وكذلك لأختيار الفريق الذي يشرع بالركلات الترجيحية في حال
أنتهت المباراة النهائية وتعادل الفريقان بعد استنفاد الوقت الأضافي.
فوائد لغوية :
نون : هو أسم الحوت كما يرد في اللغة العبرية.
يونان : صاحب الحوت. وفي اللغة العربية (يونس).
نهر الأردن : الأردن تحريف من اللفظة العبرية (ياردن) وتعني (المُنحدر) بضم الميم