الخميس، 29 مارس 2018

رِجْم-رجوم

يطلق الرِجْم (والجمع رِجْوم) على كل ما أرتفع عن الأرض من الصخور ويطلق أيضا على مجموعة الصخور المتوسطة الحجم التي توضع على الطريق كمعالم له. 
وترد في أشعار البادية كلمة (رجم) و (مرقاب-مرقب) ، (راس) ، (طويل)  ، (عالي)  للدلالة على الرجم ، أما كلمات (رقيت) ، (عديّت) ، (عدّاه) ، (عدّى) ، (نطّيت) فكلها تعني فعل (صعود) الرجم.
وتتفاوت الرجوم في أرتفاعها عن الأرض وسهولة الوصول اليها ، فهناك ممثلا رجوم صعبة المرتقى وأخرى سهلة.
يعتقد الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أن  الرِجْم لعب دورا أساسيا في حفظ (التوازن النفسي) عند أبناء البادية ، فلبُعده عن الناس يمنح من يرتقيه لحظات من الخلوة مع النفس بعيدا عن وتيرة الحياة اليومية الشاقة ، كما أن صعود  الرِجْم هو (رمزية) على العلو والسمو على كل ما يعترض حياتهم من الآلام والأحزان. 
وكلما كان الرجم (بعيدا) في جوف الصحراء وكلما كان (صعب المرتقى) كان الشعور في نفس البدوي بالانتصار وانه قادر على مواجهة الصعاب. 
كما أن الرجم ولبعده عن الانظار لعله المكان المناسب لأظهار مكنون النفس والذي يُستحى من أظهاره أمام الأهل والأصحاب من رغبة حتى في البكاء والذي يعتبر عيبا على الرجال
قال سويلم العلي :
 قال الذي في بدع الامثال ما تاه ... ينقى غرايبها على كيف باله
في راس رجمٍ يطوح عسر مرقاه...راعي الهوا المعتاد قبلي عنا له
من ضيقةٍ بالصدر يوم أني أرقاه ... غزير دمع العين لجت محاله
  
 بعض الرجوم عرفت بوعورتها وشدة أنحدارها وصعوبة وصول الأنسان اليها فأتخذت منها الصقور أوكارا لها.
وقال مسعود مولى آل الهذال من قبيلة عنزة 
أمس العصر عديت في راس ملموم ... رجم طويل بشامخ الحيد زامي
رجم طويل ولا يوكر به البوم ... كود العقاب الصيرمي والقطامي
قلبي عليل وصايبه غم و هموم  ... وعزي لحال اللي طواه الهيامي
غديت مثل اللي على الوجه ملطوم ...  بالليل أساهر نايحات الحمامي
 
ومن عادة أبناء البادية الشجعان الأقامة في أعالي المراقيب وكأنهم بفعلهم هذا لا يخشون من سطوة القوم  

قال راجح بن حيدان :
أحدٍ يحّل بعاليات المراقيب ... وأحدٍ طمان الرجم لا جاه حلّه
وأحد تنقى العود الأزرق من الطيب ... وأحد رديّ العود لا جاه شلّه 
(أحد : واحد ، يحل : يقيم ، شله : أخذه )

 قال فراج بن ريفه القرقاح:
قال ابن ريفه بدا في مرقب عالي ... حل المراقيب تومي به هبايبها
هيضني الرجم وانا من اول سالي ...الهم على القلب ديران شطيت بها
وقال الأمير الشاعر محمد الأحمد السديري (أبو زيد) رحمه الله في رائعته التي ترددها الأجيال :
يقول من عدّى عـلى راس عـالي ...  رجــم طـويل يدهـله كـل قـرناس
في راس مـرجـوم عسيـر المنالى  ...  تـلـعب به الارياح مــع كل نسنـاس
وقد تأتي الرجوم للدلالة على موقعة (كونة) مثل (رجوم الزلع) وهي رجوم معروفة في منطقة تبوك وضعها جلاّل بن دعسان العطوي بمعاونة أخيه الأصغر (جليّل) بعدما تمكنا وبمفردهما من صد غارة لفرسان من قبيلة شمر تريد كسب إبلهما في منطقة (المزيلقة) في (الطبيق) وقتلا الكثير منهم.
والرجوم عبارة عن أكوام كبيرة من الحجارة للدلالة على أنهما أنتصرا على الغزاة وبلغت 26 رجما على عدد الفرسان الذين تم قتلهم ووضعا عليها وسم (الزلع) وهم فخذ من (السبوت) من (الخضرة) من (بني عطية) وهما الذي عناهما الشاعر في قوله بعدما أذهلته شجاعتهما:
العفو كيف أثنين نطحون الأسلاف ... في جمّعة تقول ودها الشريفي 
يوم أخو ذيبه جدع زين الأوصاف ... تجاذب الفعل هو والحليفي
  
وكان والدهما (دعسان الزلع) يكسب الإبل من القبائل المجاورة ويعود بها ويوزعها على بني عطية وذات يوم ساق إبل كثيرة فسار في طلبه فرسان كثر أجتمعوا من 3 قبائل (عنزة  وشمر و بني رشيد) وتمكنوا من قتله وحينما قتل (دعسان) تنفس القوم الصعداء ، قال شاعر شمري يخاطب إبله (العليا) وانها أصبحت بمأمن بعد مقتله:
يا العليا روجي وعودي مفلاكي  .... دعسان الزلع يفداكي
 ونبش القوم قبر دعسان 4 مرات للتأكد من شخصه حتى أمر شيخ عنزة بأن لا يقرب أحد قبر دعسان فتم دفنه على مرتفع رملي (نازية) سميت فيما بعد ب (نازية الزلع) وهي على مشارف النفود
يقول العطيات و (دعسان الزلع) هو والد جدتي رحمهم الله وجميع موتى المسلمين أجمعين.

الجمعة، 23 مارس 2018

اشلونك - شلونك

وردني سؤال عن  أصل كلمة (اشلونك) وتكتب إيضا (شلونك)يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أن هذه اللفظة  لفظة دارجة وهي مأخوذه من "ايش لونك"
ولفظة (ايش) هي من "أي شيء".
والمعروف أن لون الإنسان انعكاس حقيقي لحالته الصحية والنفسية ، فإن كان لون بشرته أحمرا او موردا  كان ذلك دليل على تمام صحته أما لو كان لونه ازرق فهذا لون له دلالة خطيرة جدا ويدل على قلة الأكسجين في دم الأنسان بسبب خلل في وظائف الرئة أو القلب . كذلك اللون الأصفر والذي يدل على أضطراب في تعامل الجسم مع مادة الصفراء الكبدية

أطباء الأطفال في كافة أنحاء العالم تعودوا على وصف لون الطفل أثناء فحص الطفل فنجدهم يقولون أن لونه :
أما  مورد  pink
أو أزرق  blue
أو  أصفر  yellow

أقول والحكم على صحة الأنسان من خلال (لونه) ليست بالأمر الجديد فالمستشفيات الأسلامية في عصور الخلافة كانت تسمى (بيمارستنات) ومفردها (بيمارستان) واللفظة بحسب العطيات أنما هي من (بي) وهي أداة النفي باللغة الفارسية و لفظة (مار) وتعني (دم الخد)  ويستعملونها للدلالة على الصحة والشباب و لفظة (ستان) وتعني مكان أي أن لفظة (بيمارستان) تعنى حرفيا (مكان من لا دم في خديه) أي الشاحب والمعروف من ان الشحوب هو وصف عام  يدل على صحة الأنسان البدنية والنفسية.


أما من يقول بأن ظهور اللفظة (اشلونك) أو (شلونك) ارتبطت بالطاعون الذي قيل أنه ضرب بغداد في القرن السابع عشر وأن ذلك المرض  يتدرج في 3 ألوان ، اللون الأول والثاني فيها أمل بشفاء المصاب أما اللون الثالث فهو دليل الهلاك فلا دليل صحيح على ذلك.

الصورة : بيمارستان (مستشفى) عثماني في منطقة  تبوك عام 1918 ميلادي

خالصة

كان للرشيد جارية أسمها (خالصة) وبالرغم من دمامتها الواضحة الا أنها كانت أثيرة  لديه. وذات مرة ، دخل عليه أبو نواس ، وكانت الجارية جالسة عنده وعليها من الجواهر والدرر ما يخطف الأبصار ومدحه بأبيات بليغة يتكسب بها ، فلم يلتفت الرشيد إليه ، فوقع ذلك في نفس أبي نواس وغادر من عند الرشيد مستاءا وكتب على باب  القصرعند خروجه  :
لقد ضاع شعري على بابكم ......... كما ضاع در على خالصة
ولما نمى للرشيد ما كتبه أبو نواس على باب القصر، غضب لذلك غضبا شديدا وأرسل على الفور في طلبه. وحينما أدرك أبو نواس الباب محا الجزء السفلي من حرف العين (ع) ليصبح همزة (ء) ودخل مسرعا على الخليفة ولما وقف بين يديه!

قال له : ماذا كتبت على الباب ؟ 
قال : لقد كتبت  :
لقد ضاء شعري على بابكم ........... كما ضاء در على خالصة
فلما وقف الخليفة بالباب وقرأ البيت ضحك وتعجب من فطنة وذكاء أبي نواس وسرعة بديهته فعفا عنه وأمر له بجائزة
 فقال أحد الحضور : هذا بيت شعر قُلعت عيناهُ فأبصر.